سورة المائدة - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (المائدة)


        


{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (7)}
{واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ} وهي نعمة الإسلام، أو الأعم على إرادة الجنس، وأمروا بذلك ليذكرهم المنعم ويرغبهم في شكره {وميثاقه الذى وَاثَقَكُم بِهِ} أي عهده الذي أخذه عليكم وقوله تعالى: {إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} ظرف لواثقكم به أو لمحذوف وقع حالًا من الضمير المجرور في {بِهِ} أو من ميثاقه أي كائنًا وقت قولكم: سمعنا وأطعنا وفائدة التقييد به تأكيد وجوب مراعاته بتذكير قبولهم والتزامهم بالمحافظة عليه، والمراد به الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم النبي صلى الله عليه وسلم في العقبة الثانية سنة ثلاث عشرة من النبوة على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر والمنشط والمكره كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت، وقيل: هو الميثاق الواقع في العقبة الأولى سنة إحدى عشرة، أو بيعة الرضوان بالحديبية، فإضافة الميثاق إليه تعالى مع صدوره عنه صلى الله عليه وسلم لكون المرجع إليه سبحانه كما نطق به قوله تعالى: {إِنَّ الذين يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ الله} [الفتح: 10]. وأخرج ابن جرير وابن حميد عن مجاهد قال: هو الميثاق الذي واثق به بني آدم حين أخرجهم من صلب أبيهم عليه السلام وفيه بعد.
{واتقوا الله} في نسيان نعمته ونقض ميثاقه، أو في كل ما تأتون وتذرون فيدخل فيه ما ذكر دخولًا أوليًا {إِنَّ الله عَلِيمٌ بِذَاتِ الصدور} أي مخفياتها الملابسة لها ملابسة تامة مصححة لإطلاق الصاحب عليها فيجازيكم عليها، فما ظنكم بجليات الأعمال؟ والجملة اعتراض وتعليل للأمر وإظهار الاسم الجليل لما مر غير مرة.


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بما تَعْمَلُونَ (8)}
{خَبِيرًا يَأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ} شروع في بيان الشرائع المتعلقة لما يجري بينهم وبين غيرهم إثر بيان ما يتعلق بأنفسهم {كُونُواْ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} أي كثيري القيام له بحقوقه اللازمة، وقيل: أي ليكن من عادتكم القيام بالحق في أنفسكم بالعمل الصالح، وفي غيركم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ابتغاء مرضاة الله تعالى: {شُهَدَاء بالقسط} أي بالعدل، وقيل: دعاة لله تعالى مبينين عن دينه بالحجج الحقة {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ} أي لا يحملنكم {عَلَيْهِ قَوْمٌ} أي شدة بغضكم لهم {عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ} فلا تشهدوا في حقوقهم بالعدل، أو فتعتدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل {اعدلوا} أيها المؤمنون في أوليائكم وأعدائكم، واقتصر بعضهم على الأعداء بناءًا على ما روي أنه لما فتحت مكة كلف الله تعالى المسلمين بهذه الآية أن لا يكافئوا كفار مكة بما سلف منهم، وأن يعدلوا في القول والفعل {هُوَ} راجع إلى العدل الذي تضمنه الفعل، وهو إما مطلق العدل فيندرج فيه العدل الذي أشار إليه سبب النزول، وإما العدل مع الكفار {أَقْرَبُ للتقوى} أي أدخل في مناسبتها لأن التقوى نهاية الطاعة وهو أنسب الطاعات بها، فالقرب بينهما على هذا مناسبة الطاعة للطاعة، ويحتمل أن يكون أقربيته على التقوى باعتبار أنه لطف فيها فهي مناسبة إفضاء السبب إلى المسبب وهو نزلة الجزء الأخير من العلة، واللام مثلها في قولك: هو قريب لزيد للاختصاص لا مكملة فإنه ن أو إلى. وتكلف الراغب في توجيه الآية فقال: فإن قيل: كيف ذكر سبحانه: {أَقْرَبُ للتقوى}، وأفعل إنما يقال في شيئين اشتركا في أمر واحد لأحدهما مزية وقد علمنا أن لا شيء من التقوى ومن فعل الخير إلا وهو من العدالة؟ قيل: إن أفعل وإن كان كما ذكرت فقد يستعمل على تقدير بناء الكلام على اعتقاد المخاطب في الشيء في نفسه قطعًا لكلامه وإظهارًا لتبكيته فيقال لمن اعتقد مثلًا في زيد فضلًا وإن لم يكن فيه فضل ولكن لا يمكنه أن ينكر أن عمرًا أفضل منه: اخدم عمرًا فهو أفضل من زيد، وعلى ذلك جاء قوله تعالى: {الله خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ} [النمل: 59] وقد علم أن لا خير فيما يشركون.
والجملة في موضع التعليل للأمر بالعدل، وصرح لهم به تأكيدًا وتشديدًا، وأمر سبحانه بالتقوى بقوله جل وعلا: {واتقوا الله} إثر ما بين أن العدل أقرب لها اعتناءًا بشأنها وتنبيهًا على أنها ملاك الأمر كله {إِنَّ الله خَبِيرٌ بما تَعْمَلُونَ} من الأعمال فيجازيكم بذلك، وقد تقدم نظير هذه الآية في النساء (135)، ولم يكتف بذلك لمزيد الاهتمام بالعدل والمبالغة في إطفاء ثائرة الغيظ، وقيل: لاختلاف السبب، فإن الأولى نزلت في المشركين وهذه في اليهود، وذكر بعض المحققين وجهًا لتقديم القسط هناك وتأخيره هنا، وهو أن آية النساء جيء بها في معرض الإقرار على نفسه ووالديه وأقاربه فبدأ فيها بالقسط الذي هو العدل من غير محاباة نفس ولا والد ولا قرابة، والتي هنا جيء بها في معرض ترك العداوة فبدأ فيها بالقيام لله تعالى لأنه أردع للمؤمنين، ثم ثنى بالشهادة بالعدل فجىء في كل معرض بما يناسبه.


{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9)}
{وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} من الواجبات والمندوبات ومن جملتها العدل والتقوى {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ} جملة مستأنفة مبينة لثاني مفعولي {وَعْدُ} المحذوف كأنه قيل: أي شيء وعده؟ فقيل: لهم مغفرة الخ. ويحتمل أن يكون المفعول متروكًا والمعنى قدم لهم وعدًا وهو ما بين بالجملة المذكورة، وجوز أن تكون مفعول وعد باعتبار كونه عنى قال، أو المراد حكايته لأنه يحكي بما هو في معنى القول عند الكوفيين، ويحتمل أن يكون القول مقدرًا أي وعدهم قائلًا ذلك لهم أي في حقهم فيكون إخبارًا بثبوته لهم وهو أبلغ، وقيل: إن هذا القول يقال لهم عند الموت تيسيرًا لهم وتهوينًا لسكرات الموت عليهم..

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8